فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه وقع اضطراب بفارس والروم وخراسان والشام وخرج الروم بعد خروج علي بن يحيى الأرمني من الصائفة حتى قاربوا آمد ثم خرجوا من الثغور الجزرية فانتهبوا عدة قرى ثم رجعوا إلى بلادهم ‏.‏

وفي ربيع الأول‏:‏ احترق بالكرخ مائتا حانوت ونيف واحترق بالكرخ رجال ونساء وصبيان ‏.‏

قال ابن حبيب الهاشمي‏:‏ وفي شعبان زلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها وعلى الوالي فقتله ويقال إن الهالكين كانوا خمسة وأربعين ألفًا ‏.‏

وكانت بقومس ورساتيقها في هذا الشهر زلازل فهدمت منها الدور وسقطت بدس كلها على أهلها وسقطت بلدان كثيرة على أهلها وسقط نحو من ثلثي بسطام وزلزلت الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان وذلك كله في وقت واحد وسقطت جبال ودنا بعضها من بعض ونبع الماء مكان الجبال ورجفت استراباذ رجفة أصيب الناس كلهم وسمع بين السماء والأرض أصوات عالية وانشقت الأرض بقدر ما يدخل الرجل فيه ‏.‏

قال‏:‏ ورجمت قرية يقال لها‏:‏ السويداء ناحية مصر بخمسة أحجار فوقع منها حجر على خيمة أعرابي فاحترقت ووزن منها حجر فكان خمسة أرطال فحمل منها أربعة إلى الفسطاط وواحد إلى تنيس ‏.‏

قال‏:‏ وذكر أن رجلًا باليمن عليه مزارع لأهله سار حتى أتى مزارع قوم فصاروا فيها فكتب بذلك إلى المتوكل ‏.‏

وسقطت صاعقة بالبردان فأحرقت رجلين وأصابت ظهر الرجل الثالث فاسود منها وسقطت في الماء ‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ وذكر علي بن أبي الوضاح أن طائرًا دون الرخمة وفوق الغراب أبيض وقع على دابة بحلب لسبع بقين من رمضان فصاح‏:‏ يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين مرة ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتًا وكتب بذلك صاحب البريد وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه ومات رجل في بعض كور الأهواز في شوال فسقط طائر أبيض على جنازته فصاح بالفارسية وبالخوذية‏:‏ إن الله قد غفر لهذا الميت ولمن شهده ‏.‏

ولليلتين خلتا من شوال قتل المتوكل رجلًا عطارًا كان نصرانيًا وأسلم فمكث مسلمًا سنين كثيرة ثم ارتد فاستتيب فأبى أن يرجع إلى الإسلام فضربت عنقه وأحرق بباب العامة ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام وهو والي مكة

وخرج بالحاج فيها جعفر بن دينار وهو والي طريق مكة وأحداث الموسم ‏.‏

وحج إبراهيم بن مظهر بن سعيد الكاتب الأنباري من البصرة على عجلة تجرها الإبل عليها كنيسة ومخرج وقباب وسلك طريق المدينة فكان أعجب ما رآه الناس في الموسم ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري مولى أم سلمة المخزومية زوجة السفاح ‏.‏

عزل الواثق الضبي في سنة ثمان وعشرين ومائتين واستقضى الحسن بن علي وأبوه حي وكان ذا مروءة وتوفي في رجب هذه السنة ‏.‏

الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان بن يزيد أبو حسان الزيادي سمع من إبراهيم بن سعد وهشيم بن بشير وابن علية وخلقًا كثيرًا روى عنه‏:‏ الكديمي والباغندي ‏.‏

وكان من العلماء الأفاضل صالحًا دينًا كريمًا مصنفًا وله تاريخ حسن وولي قضاء الشرقية ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال‏:‏ حدثنا أبو حازم القاضي وأبو علي أحمد بن إسماعيل قالا‏:‏ حدثنا أبو سهل الرازي قال‏:‏ حدثني أبو حسان الزيادي قال‏:‏ ضقت ضيقة بلغت فيها إلى الغاية حتى ألح علي القصاب والبقال والخباز وسائر المعاملين ولم تبق لي حيلة فإني ليومًا على تلك الحال وأنا مفكر في الحيلة إذ دخل علي الغلام فقال‏:‏ حاجي بالباب يستأذن فقلت له‏:‏ ائذن له فدخل الخراساني فسلم وقال‏:‏ ألست أبا حسان قلت‏:‏ بلى فما حاجتك قال‏:‏ أنا رجل غريب أريد الحج ومعي عشرة آلاف درهم واحتجت أن تكون قبلك حتى أقضي حجي وأرجع فقلت هاتها فأحضرها وخرج بعد أن وزنها وختمها فلما خرج فككت الخاتم على المكان ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل دين كان علي واتسعت وأنفقت وقلت‏:‏ أضمن هذا المال للخراساني وإلى أن يجيء يكون قد أتى الله بفرج من عنده فكنت يومي ذلك في سعة وأنا لا أشك في خروج الخراساني فلما أصبحت من غد ذلك اليوم دخل علي الغلام فقال‏:‏ الخراساني الحاج بالباب يستأذن فقلت‏:‏ ائذن له فدخل فقال‏:‏ إني كنت عازمًا على ما أعلمتك ثم ورد علي الخبر بوفاة والدي وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي فتأمر لي بالمال الذي أعطيتك أمس ‏.‏

قال‏:‏ فورد علي أمر لم يرد علي مثله قط وتحيرت فلم أدر ما أقول له ولا بما أجيبه وفكرت فقلت‏:‏ ماذا أقول للرجل ثم قلت‏:‏ نعم عافاك الله تعالى منزلي هذا ليس بحريز ولما أخذت مالك وجهت به إلى من هو قبله فتعود في غد لتأخذه فانصرف وبقيت متحيرًا ما أعمل إن جحدته قدمني فاستحلفني وكانت الفضيحة في الدنيا والآخرة وإن دافعته صاح وهتكني وغلظ الأمر علي جدًا وأدركني الليل وفكرت في بكور الخراساني إلي فلم يأخذني النوم ولا قدرت على الغمض فقمت إلى الغلام فقلت له‏:‏ أسرج البغلة فقال‏:‏ يا مولاي هذه العتمة بعد وما مضى من الليل شيء فإلى أين تمضي فرجعت إلى فراشي فإذا النوم ممتنع فلم أزل أقوم إلى الغلام وهو يردني حتى فعلت ذلك ثلاث مرات وأنا لا يأخذني القرار وطلع الفجر فأسرج البغلة وركبت وأنا لا أدري أين أتوجه وطرحت عنان البغلة وأقبلت أفكر وهي تسير بي حتى بلغت الجسر فعدلت بي فتركتها فعبرت ثم قلت‏:‏ إلى أين أعبر وإلى أين أمضي ولكن إن رجعت وجدت الخراساني على بابي دعها تمضي إلى حيث شاءت ومضت البغلة فلما عبرت الجسر أخذت بي يمنة إلى ناحية دار المأمون فتركتها إلى أن قاربت باب المأمون والدنيا بعد مظلمة فإذا بفارس قد تلقاني فنظر في وجهي ثم سار وتركني ثم رجع إلي فقال‏:‏ ألست بأبي حسان الزيادي قلت‏:‏ بلى قال‏:‏ أجب الأمير الحسن بن سهل فقلت في نفسي‏:‏ وما يريد الحسن بن سهل مني ثم سرت معه حتى صرنا إلى بابه فاستأذن لي عليه فأذن لي فقال‏:‏ أبا حسان ما خبرك وكيف حالك ولم انقطعت عنا فقلت‏:‏ لأسباب وذهبت لأعتذر ‏.‏

فقال‏:‏ دع عنك هذا أنت في لوثة أو في أمر فإني رأيتك البارحة في النوم في تخليط كثير فابتدأت فشرحت له قصتي من أولها إلى آخرها إلى أن لقيني صاحبه ودخلت عليه فقال‏:‏ لا يغمك يا أبا حسان قد فرج الله عنك هذه بدرة للخراساني مكان بدرته وبدرة أخرى لك تتسع بها وإذا نفذت أعلمنا فرجعت من مكاني فقضيت الخراساني واتسعت وفرج الله وله الحمد ‏.‏

توفي أبو حسان في رجب هذه السنة وله تسع وثمانون سنة وأشهر ومات هو والحسن بن الجعد في وقت واحد وأبو حسان على الشرقية والحسن بن علي على مدينة المنصور‏.‏

الخليل بن عمرو أبو عمرو البغوي سكن بغداد وحدث بها عن وكيع بن الجراح وعيسى بن يونس روى عنه‏:‏ البغوي وكان ثقة وتوفي بها في صفر في هذه السنة ‏.‏

زكريا بن يحيى بن صالح بن يعقوب أبو يحيى القضاعي الحرسي روى عن المفضل بن فضالة ورشدين بن سعد وعبد الله بن وهب كانت القضاة تقبله وتوفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

الطيب بن إسماعيل بن إبراهيم أبو محمد الذهلي ويعرف بأبي حمدون القصاص واللآل والثقاب

وحدث عن سفيان بن عيينة وشعيب بن حرب ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو العباس بن مسروق وغيره وكان من الزهاد المخلصين ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين بن المنادي قال‏:‏ أبو حمدون الطيب بن إسماعيل من الأخيار الزهاد المشهورين بالقراءات وكان يقصد المواضع التي ليس فيها أحد يقرئ الناس فيقرءهم حتى إذا حفظوا انتقل إلى آخرين بهذا النعت وكان يلتقط المنبوذ كثيرًا ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبيد الله الجبائي قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي قال‏:‏ حدثني أبو العباس أحمد بن مسروق قال‏:‏ سمعت أبا حمدون المقرئ يقول‏:‏ صليت ليلة فقرأت فأدغمت حرفًا فحملتني عيناي فرأيت كأن نورًا قد تلبب بي وهو يقول‏:‏ الله بيني وبينك ‏.‏

قلت‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا الحرف الذي أدغمت قال‏:‏ قلت‏:‏ لا أعود فانتبهت فما عدت أدغم حرفًا ‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري قال‏:‏ سمعت أبا محمد الحسن بن علي بن صليح يقول‏:‏ إن أبا حمدون الطيب بن إسماعيل كف بصره فقاده قائد له ليدخله المسجد فلما بلغ إلى المسجد قال له قائده‏:‏ يا أستاذ اخلع نعلك ‏.‏

قال‏:‏ لم يا بني أخلعها قال‏:‏ لأن فيها أذى فاغتم أبو حمدون وكان من عباد الله الصالحين فرفع يده ودعا بدعوات ومسح بها وجهه فرد الله عليه بصره ومشى القاسم بن عثمان الجوعي ‏.‏

أسند عن سفيان بن عيينة وغيره ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن أحمد حدثنا يوسف بن أحمد البغدادي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ سمعت القاسم الجوعي قول‏:‏ شبع الأولياء بالمحبة عن الجوع ففقدوا لذاذة الطعام والشراب والشهوات لأنهم تلذذوا بلذة ليس فوقها لذة فقطعتهم عن كل لذة وإنما سميت قاسمًا الجوعي لأن الله تعالى قواني على الجوع فلو تركت ما تركت ولم أوت بالطعام لم أبال رضت نفسي حتى لو تركت شهرًا وما زاد لم تأكل ولم تشرب ولم تبال وأنا عنها راض أسوقها حيث شئت اللهم أنت فعلت بي ذلك فأتمه علي ‏.‏

محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد أبو الحسن الكندي الطوسي سمع عبدان بن عثمان وسعيد بن منصور والحميدي وقبيصة ويزيد بن هارون في خلق كثير قال محمد بن رافع‏:‏ دخلت على محمد بن أسلم فما شبهته إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان محمد بن أسلم يخدم نفسه وعياله ويستقي الماء من النهر بالجرار في اليوم البارد وكان إذا اعتل لم يخبر أحدًا بعلته ولم يتداو ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم قال‏:‏ سمعت إسحاق بن راهويه يقول‏:‏ لم أسمع بعالم منذ خمسين سنة كان أشد تمسكًا بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد بن أسلم ‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ وقال لي محمد بن أسلم‏:‏ يا أبا عبد الله ما لي ولهذا الخلق كنت في صلب أبي وحدي ثم صرت في بطن أمي وحدي ثم دخلت إلى الدنيا وحدي ثم تقبض روحي وحدي فأدخل في قبري وحدي فيأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي فأصير إلى حيث صرت وحدي وتوضع عملي وذنوبي في الميزان وحدي وإن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي وإن بعثت إلى النار بعثت وحدي فما لي والناس‏!‏ قال‏:‏ وصحبته نيفًا وعشرين سنة لم أره يصلي ركعتي التطوع إلا يوم الجمعة ولا يسبح ولا يقرأ حيث أراه ولم يكن حد أعلم بسره وعلانيته مني ‏.‏

وسمعته يحلف مرارًا‏:‏ لو قدرت أن تطوع حيث لا يراني ملكاي فعلت وكان يدخل بيتًا ويغلق بابه ويدخل معه كوزًا من ماء فلم أدر ما يصنع حتى سمعت ابنًا له صغيرًا يحكي بكاءه فنهته أمه فقلت لها‏:‏ ما هذا البكاء فقالت‏:‏ إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ القرآن ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل فلا يرى عليه أثر البكاء وكان يصل قومًا فيعطيهم ويبرهم ويكسوهم فيبعث إليهم ويقول للرسول‏:‏ انظر لا يعلمون من بعثه إليهم ويأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم ويخفي نفسه فربما بليت ثيابهم ونفذ ما عندهم ولا يدرون من الذي أعطاهم ‏.‏

قال‏:‏ ودخلت عليه يومًا قبل موته بأربعة أيام فقال لي‏:‏ يا أبا عبد الله تعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير ‏.‏

قد نزل بي الموت وقد من الله علي أنه ليس عندي درهم يحاسبني الله عليه وقد علم ضعفي وأني لا أطيق الحساب فلم يدع لي شيئًا يحاسبني عليه ثم قال‏:‏ أغلق الباب ولا تأذن لأحد علي حتى أموت واعلم أني أخرج من الدنيا وليس عندي ميراث غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه وكتبي وكانت معه صرة فيها نحو ثلاثين درهمًا فقال‏:‏ هذا لابني أهداه إليه قريب له ولا أعلم شيئًا أحل لي منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ أنت ومالك لأبيك ‏"‏ فكفنوني منها فإن أصبتم لي بعشرة دراهم ما يستر عورتي فلا تشتروا لي بخمسة عشر وابسطوا على جنازتي لبدي وغطوا عليها بكسائي وتصدقوا بإنائي أعطوه مسكينًا يتوضأ توفي ابن أسلم في هذه السنة ودفن إلى جانب إسحاق بن راهويه ‏.‏

محمد بن رمح بن المهاجر أبو عبد الله التجيبي ‏.‏

حكى عن مالك بن أنس وروى عنه‏:‏ الليث وابن لهيعة وهو ثقة ثبت ‏.‏

توفي في شوال هذه السنة ‏.‏

هانئ بن المتوكل بن إسحاق بن إبراهيم بن حرملة أبو هاشم الإسكندراني يروي عن حيوة بن شريح ومعاوية بن صالح ‏.‏

جاوز المائة ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها شخوص المتوكل إلى دمشق لعشر بقين من ذي القعدة فضحى ببلد فقال يزيد بن محمد المهلبي حين خرج المتوكل‏:‏ أظن الشام تشمت بالعراق إذا عزم الإمام على انطلاق وحج بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن موسى ‏.‏

وحج جعفر بن دينار وهو والي طريق مكة وأحداث الموسم ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن العباس متولي ديوان الضياع ‏.‏

توفي فتولاه الحسن بن مخلد بن الجراح ‏.‏

أحمد بن سعيد أبو عبد الله الرباطي من أهل مرو سمع وكيع بن الجراح وعبد الرزاق بن همام وخلقًا كثيرًا ‏.‏

روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين وكان ثقة فاضلًا فهمًا عالمًا من أهل السنة وتوفي في هذه السنة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول‏:‏ سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول‏:‏ سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول‏:‏ قدمت على أحمد بن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله إنه يكتب عني بخراسان فإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي فقال لي‏:‏ يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال‏:‏ أين عبد الله بن طاهر وأتباعه انظر أين تكون أنت منه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أبا عبد الله إنما هو ولاني أمر الرباط لذلك دخلت فيه ‏.‏

قال‏:‏ فجعل يكرر علي‏:‏ يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال أين عبد الله بن طاهر وأتباعه فانظر أين تكون أنت فيه ‏.‏

إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلب أبو إسحاق أصله من خراسان ‏.‏

روى عن علي بن موسى الرضا ‏.‏

وكان من أشعر الكتاب وأرقهم لسانًا ‏.‏

وكان صول جد أبيه وفيروز أخوين تركيين ملكين بجرجان يدينان بالمجوسية فلما دخل يزيد بن المهلب جرجان أمنهما فأسلم صول على يده ولم يزل معه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الواحد المروزي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد المقرئ حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب قال‏:‏ أنشدنا إبراهيم بن العباس الكاتب لنفسه‏:‏ كم قد تجرعت من حزن ومن غصص إذا تجدد حزن هون الماضي وكم غضبت فما باليتم غضبي حتى رجعت بقلب ساخط راضي تعلمت ألوان الرضى خوف عتبها وعلمها حبي لها كيف تغضب ولي غير وجه قد عرفت طريقه ولكن بلا قلب إلى أين أذهب توفي إبراهيم في شعبان هذه السنة بسامراء ‏.‏

أحمد بن عيسى أبو عبد الله المصري حدث عن المفضل بن فضالة ورشدين بن سعد وعبد الله بن وهب وكان يتجر إلى العراق فتجر إلى تستر فقيل له‏:‏ التستري وسكن العراق وتوفي ببغداد في هذه السنة‏.‏

حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران أبو حفص ولد سنة ست وستين ومائة وتوفي في شوال هذه السنة ‏.‏

الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي حدث عن يزيد بن هارون وله كتب في الزهد والمعاملة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ الخطيب قال‏:‏ أخبرنا العتيقي وأحمد بن عمر بن روح النهرواني وعلي بن أبي علي بن صادق البصري والحسن بن علي الجوهري قالوا‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق قال‏:‏ سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق يقول‏:‏ سمعت حارثًا المحاسبي يقول‏:‏ ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة‏:‏ حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة وحسن الإخاء مع الأمانة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرني جعفر الخلدي في كتابه‏:‏ سمعت الجنيد يقول‏:‏ مات أبو الحارث المحاسبي يوم مات وأن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف مالًا كثيرًا وما أخذ منه حبة واحدة وقال‏:‏ أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفيًا ‏.‏

قال المصنف‏:‏ كان الإمام أحمد بن حنبل ينكر على الحارث المحاسبي خوضه في الكلام ويصد الناس عنه فهجره أحمد فاختفى في داره ببغداد ومات فيها ولم يصل عليه إلا أربعة نفر وتوفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الصمد بن الفضل بن خالد أبو بكر الربعي البصري يعرف بالمراوحي لأنه أول من أحدث عمل المراوح بمصر وحدث عن عبد الله بن وهب وسفيان بن عيينة ووكيع وكان رجلًا صالحًا توفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة قدم بغداد وحدث بها عن غندر ‏.‏

روى عنه‏:‏ مسلم في صحيحه والبغوي وابن صاعد وكان ثقة توفي بالبصرة في هذه السنة ‏.‏

الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس أبو همام السكوني البغدادي كوفي الأصل سمع علي بن مسهر وشريك بن عبد الله وعبد الله بن المبارك وغيرهم روى عنه‏:‏ أبو حاتم الرازي وعباس الدوري والبغوي توفي في هذه السنة ببغداد ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ الأصبهاني حدثنا إبراهيم بن عبد الله العدل الأصبهاني قال‏:‏ حدثنا السراج - يعني أبا العباس الثقفي - قال‏:‏ سمعت محمد بن أحمد ابن بنت معاوية بن عمرو يقول‏:‏ سمعت أبا يحيى مستملي أبا همام يقول‏:‏ رأيت أبا همام في المنام وعلى رأسه قناديل معلقة فقلت‏:‏ يا أبا همام بما نلت هذه القناديل قال‏:‏ هذا بحديث الخوض وهذا بحديث الشفاعة وهذا بحديث كذا وهذا بحديث كذا هارون بن عبد الله بن مروان

سمع سفيان بن عيينة وسيار بن حاتم وروح بن عبادة وغيرهم روى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج وإبراهيم الحربي والبغوي وابن صاعد وكان حافظًا صدوقًا‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني عبد الغفار بن محمد المؤدب قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل المؤذن قال‏:‏ سمعت هارون بن عبد الله الحمال يقول‏:‏ جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدق الباب علي فقلت‏:‏ من هذا فقال‏:‏ أنا أحمد فبادرت إليه فمساني ومسيته وقلت‏:‏ حاجة يا أبا عبد الله قال‏:‏ نعم شغلت اليوم قلبي قلت‏:‏ بماذا يا أبا عبد الله قال‏:‏ جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر لا تفعل ذلك مرة أخرى إذا قعدت فاقعد مع الناس توفي هارون في شوال هذه السنة وقيل‏:‏ سنة ثمان وأربعين ولا يصح هناد بن السري أبو السري الدرامي الكوفي سمع أبا الأحوص ووكيعًا وخلقًا كثيرًا ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ خبرنا أبو بكر البيهقي قال‏:‏ أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال‏:‏ حدثنا محمد بن إبراهيم الهاشمي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سلمة قال‏:‏ كان هناد بن السري كثير البكاء وكنت عنده ذات يوم في مسجده فلما فرغ من القراءة عاد إلى منزله فتوضأ وانصرف إلى المسجد وقام على رجليه فصلى إلى الزوال ثم رجع إلى منزله فتوضأ وانصرف إلى المسجد فصلى بنا الظهر ثم قام على رجليه يصلي العصر يرفع صوته بالقرآن ويبكي كثيرًا ويصلي إلى العصر ثم صلى بنا العصر وجاء إلى المسجد فجعل يقرأ القرآن إلى الليل فصليت معه صلاة المغرب وقلت لبعض جيرانه‏:‏ ما أصبره على العبادة فقالوا‏:‏ هذه عبادته بالنهار منذ سبعين عامًا فكيف لو رأيت عبادته بالليل‏!‏ وما تزوج قط ولا تسرى قط وكان يقال له‏:‏ عابد الكوفة ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن ميمون قال‏:‏ أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن محمد الغندجاني أخبرنا ابن عبدان حدثنا محمد سهل حدثنا البخاري قال‏:‏ مات هناد بن السري يوم الأربعاء آخر يوم من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ومائتين يعقوب بن إسحاق السكيت أبو يوسف النحوي اللغوي صاحب كتاب إصلاح المنطق وأبوه هو المعروف بالسكيت كان من أهل الفضل والدين والثقة وكان يؤدب الصبيان في أول أمره ثم ترقى إلى أن صار يؤدب ولد المتوكل على الله ‏.‏

وكان المبرد يقول‏:‏ ما رأيت للبغداديين كتابًا أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت في المنطق ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن علي الرقي حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد المقرئ حدثنا أبو بكر الصولي حدثنا الحسن بن الحسين الأزدي قال‏:‏ حدثني أبو الحسن الطوسي قال‏:‏ كنا في مجلس اللحياني ‏.‏

فقال يومًا‏:‏ تقول العرب ‏"‏ مثقل استعان بذقنه ‏"‏ يريدون الجمل فقام غليه ابن السيكت - وهو حدث - فقال‏:‏ يا أبا الحسين إنما هو تقول العرب‏:‏ ‏"‏ مثقل استعان بدفيه ‏"‏ يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه فقطع الإملاء فلما كان في المجلس الثاني أملى فقال‏:‏ تقول العرب ‏"‏هو جاري مكاشري ‏"‏ فقام إليه ابن السكيت فقال‏:‏ أعزك الله وما معنى مكاشري إنما هو مكاسري كسر بيتي إلى كير بيته ‏.‏

قال‏:‏ فقطع اللحياني الإملاء فما أملى بعد ذلك شيئًا توفي يعقوب بن السكيت في رجب هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة أربع وقيل‏:‏ سنة ست وأربعين ومائتين وقد بلغ ثمانيًا وخمسين ‏.‏

هذان البيتان لابن السكيت‏:‏ ومن الناس من يحبك حبًا ظاهر الحب ليس بالتقصير يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي من ولد أكثم بن صيفي يكنى أبا محمد سمع عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى الشيباني وجرير بن عبد الحميد وابن إدريس وابن عيينة والدراوردي وعيسى بن يونس ووكيع بن الجراح في آخرين ‏.‏

وروى عنه‏:‏ علي بن المديني والبخاري وغيرهما وكان عالمًا بالفقه بصيرًا بالأحكام ذا فنون من العلوم فعرف المأمون فضله فلم يتقدمه عنده أحد فولاه القضاء ببغداد وقلده قضاء القضاة وتدبير أهل مملكته فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئًا إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم لا يعلم أحد غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم وابن أبي دؤاد ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرن طلحة بن محمد الشاهد قال‏:‏ حدثنا أبو بكر الصولي قال‏:‏ حدثنا الكديمي قال‏:‏ حدثنا علي بن المديني ‏.‏

قال‏:‏ خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجر ‏.‏

فقال‏:‏ أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد وجالس عبد الله بن دينار وجالس ابن عمر وجالست الزهري وجالس أني بن مالك وعدد جماعة ثم أنا أجالسكم‏!‏ فقال له حدث في المجلس‏:‏ أتتصف يا أبا محمد قال‏:‏ إن شاء الله‏.‏

قال له‏:‏ والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بك أشد شقاء منك بنا فأطرق وتمثل بشعر أبي نواس‏:‏ خل جنبيك لزام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام فسأل من الحدث فقالوا‏:‏ يحيى بن أكثم ‏.‏

فقال سفيان‏:‏ هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء يعني السلطان ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن ثابت الخطيب أخبرنا الحسن بن محمد أبي بكر قال‏:‏ ذكر أبو علي عيسى بن محمد الطوماري‏:‏ أنه سمع أبا حازم القاضي يقول‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ ولي يحيى بن أكثم القاضي البصرة وسنه عشرون سنة أو نحوها قال‏:‏ فاستصغره أهل البصرة فقال له أحدهم‏:‏ كم سن القاضي قال‏:‏ فعلم أنه قد استصغره فقال له‏:‏ أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضيًا على مكة يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيًا على أهل اليمن وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيًا على أهل البصرة ‏.‏

قال‏:‏ وبقي سنة لا يقبل بها شاهدًا قال‏:‏ فتقدم إليه أبي وكان أحد الأمناء وقال له‏:‏ أيها القاضي قد وقفت الأمور وتريثت قال‏:‏ وما السبب في ذلك قال‏:‏ في ترك القاضي قبول الشهود قال‏:‏ فأجاز في ذلك اليوم شهادة سبعين شاهدًا ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي أخبرني الصيمري حدثنا المرزباني أخبرني الصولي أخبرنا أبو العيناء حدثنا أحمد بن أبي دؤاد ‏.‏

قال الصولي‏:‏ وحدثنا محمد بن موسى بن داود حدثنا المشرق بن سعيد حدثنا محمد بن منصور - واللفظ لأبي العيناء - قال‏:‏ كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة فقال لنا يحيى بن أكثم‏:‏ بكرا غدًا عليه فإن رأيتما للقول وجهًا فقولا وإلا فأمسكا إلى أن أدخل ‏.‏

قال‏:‏ فدخلنا إليه وهو يستاك - وهو مغتاط - ويقول‏:‏ متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فأمسكنا وجاء يحيى فجلس وجلسنا فقال المأمون ليحيى‏:‏ ما لي أراك متغيرًا قال‏:‏ هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام قال‏:‏ وما حدث في الإسلام قال‏:‏ النداء بتحليل الزنا قال‏:‏ الزنا قال‏:‏ نعم المتعة الزنا قال‏:‏ ومن أين قلت هذا قال‏:‏ من كتاب الله عز وجل وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون‏}‏‏.‏

يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين قال‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث ويلحق الولد ولها شرائطها قال‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ فقد صار متجاوز هذين من العادين ‏.‏

وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبيد الله والحسين ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت إلينا المأمون قال‏:‏ أتحفظون هذا من حديث الزهري فقلنا‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين رواه جماعة منهم مالك ‏.‏

فقال‏:‏ أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة فنادوا بتحريمها ‏.‏

قال الصولي‏:‏ فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول - وقد ذكر يحيى بن أكثم - فعظم أمره وقال‏:‏ كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله وذكر مثل هذا اليوم فقال له رجل‏:‏ فما كان يقال قال‏:‏ معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ وحاسد وكانت كتبه في الفقه أجل كتب فتركها الناس لطولها ‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ لما استخلف المتوكل صير يحيى في مرتبة أحمد بن أبي دؤاد وخلع عليه خمس خلع ثم عزل بجعفر بن عبد الواحد وغضب عليه المتوكل فأمر بقبض أملاكه ثم دخل مدينة السلام وأمره بأن يلزم منزله ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن بن المأمون قال‏:‏ حدثنا أبو بكر الأنباري قال‏:‏ حدثني محمد بن المرزبان قال‏:‏ حدثني علي بن مسلم الكاتب قال‏:‏ دخل على يحيى بن أكثم ابنا مسعدة - وكانا على نهاية من الجمال - فلما رآهما يمشيان في الصحن أنشأ يقول‏:‏ يا زائرينا من الخيام حياكما الله بالسلام لم تأتياني وبي نهوض إلى حلال ولا حرام يحزنني أن وقفتما بي وليس عندي سوى الكلام ثم أجلسهما بين يديه وجعل يمازحهما حتى انصرفا ‏.‏

قال أبو بكر بن الأنباري‏:‏ وسمع غير واحد من شيوخنا يحكي أن يحيى عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات التي أنشدها لما دخل عليه ابنا مسعدة ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد كان يعرف بهذا الفن وشاع عنه ولعله قد كان يرى النظر فحسب وإن وقد ذكر ذلك للإمام أحمد رضي الله فقال‏:‏ سبحان الله من يقول هذا‏!‏‏!‏ وأنكره أشد إنكار ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن أخو الخلال قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المالكي قال‏:‏ حدثنا أبو إسحاق الهجيمي قال‏:‏ سمعت أبا العيناء يقول‏:‏ تولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات على الأضراء فلم يعطهم شيئًا فطالبوه وطالبوه فلم يعطهم فانصرفوا ثم اجتمعوا وطالبوه فلم يعطهم فلما انصرف من جامع الرصافة من مجلس القضاء سألوه وطالبوه فقال‏:‏ ليس لكم عندي ولا عند أمير المؤمنين شيء فقالوا‏:‏ إن وقفنا معك إلى غد ألا تزيدنا على هذا القول قال‏:‏ لا ‏.‏

فقالوا‏:‏ لا تفعل يا أبا سعيد‏!‏ فقال‏:‏ الحبس الحبس فأمر بهم فحبسوا جميعًا فلما كان الليل ضجوا فقال المأمون‏:‏ ما هذا فقالوا‏:‏ الأضراء حبسهم يحيى بن أكثم ‏.‏

فقال‏:‏ لم حبسهم فقالوا‏:‏ كنوه فحبسهم فدعاه فقال له‏:‏ الأضراء حبستهم على أن كنوك‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لم أحبسهم على ذلك إنما حبستهم على التعريض قالوا لي‏:‏ يا أبا سعيد يعرضون بشيخ لائط في الخريبة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ أخبرني الأزهري حدثني محمد بن العباس حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال‏:‏ حدثني أبو العباس أحمد بن يعقوب قال‏:‏ كان يحيى بن أكثم يحسد حسدًا شديدًا وكان مفتنًا وكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ليقطعه ويخجله فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ فناظره فرآه مفتنًا فقال له‏:‏ نظرت في الحديث قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فما تحفظ من الأصول قال‏:‏ أحفظ عن شريك عن أبي إسحاق عن الحارث‏:‏ أن عليًا رضي الله عنه رجم لوطيًا فأمسك فلم يكلمه ‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون حدثنا أبو بكر الأنباري حدثنا محمد بن المرزبان حدثنا أبو الحسن بن المقدام قال‏:‏ استعدى ابن أبي عمار بن أبي الخطيب يحيى بن أكثم على ورثة أبيه وكان بارع الجمال فقال‏:‏ أيها القاضي أعدني عليهم قال‏:‏ فمن يعديني أنا على عينيك قال‏:‏ فهربت به أمه إلى بغداد فقال لها وقد تقدمت إليه‏:‏ والله لا أنفذت لكم حكمًا أو ترديه فهو أولى بالمطالبة منك ‏.‏

قال ابن المرزبان‏:‏ وحدثني محمد بن نصر قال‏:‏ حدثنا أحمد بن يونس الضبي قال‏:‏ كان زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى بن أكثم القاضي وكان جميلًا متناهي الجمال فقرص القاضي خده فخجل واستحيى فطرح القلم من يده فقال له يحيى‏:‏ اكتب ما أملي عليك ثم قال‏:‏ أيا قمرًا جمشته فتغضبا وأصيح لي من تيهه متجنبا ولا تظهر الأصداغ للناس فتنة وتجعل منها فوق خديك عقربا فتقتل مشتاقًا وتفتن ناسكًا وتترك قاضي المسلمين معذبا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثني أبو الحسن بن المأمون قال‏:‏ قال المأمون ليحيى بن أكثم‏:‏ من الذي يقول‏:‏ قاض يرى الحد في الزنا ولا يرى على من يلوط من بأسد قال‏:‏ أو ما يعرف أمير المؤمنين من قاله قال‏:‏ لا قال‏:‏ يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول‏:‏ أميرنا يرتشي وحاكمنا يلوط والرأس شر ما رأس لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأمة وال من آل عباس قال‏:‏ فأفحم المأمون وسكت خجلًا وقال‏:‏ ينبغي أن ينفى أحمد بن أبي نعيم إلى السند ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد تكلم المحدثون في يحيى بن أكثم فقال أبو عاصم ويحيى بن معين‏:‏ يحيى بن أكثم كذاب وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ هو دجال وقال أبو علي صالح بن محمد البغدادي‏:‏ كان يحدث عن عبد الله بن إدريس أحاديث لم نسمعها وقال أبو الفتح الأزدي‏:‏ روى عن الثقات عجائب لا يتابع عليها ‏.‏

قال المصنف‏:‏ كان يحيى بن أكثم قد خرج إلى مكة وعزم على المجاورة فبلغه أن المتوكل قد صلح قلبه له فرجع يريد العراق فلما وصل إلى الربذة توفي بها ودفن هناك في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة اثنتين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن سليمان المعدل قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل الزهري قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد الزعفراني قال‏:‏ حدثنا أبو العباس بن واصل قال‏:‏ سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال‏:‏ رأى جار لنا يحيى بن أكثم بعد موته في منامه فقال له‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ وقفت بين يديه فقال لي سوءة لك يا شيخ فقلت‏:‏ يا رب إن رسولك صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إنك لتستحي من أبناء الثمانين أن تعذبهم ‏"‏ وأنا ابن ثمانين أسير الله في الأرض فقال لي‏:‏ صدق رسولي قد عفوت عنك ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المفيد قال‏:‏ حدثنا عمر بن سعد بن سنان قال‏:‏ حدثنا محمد بن سلم الخواص قال‏:‏ رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك فقال لي‏:‏ وقفني بين يديه وقال لي‏:‏ يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقنك بالنار فأخذني ما يأخذ العبد بيد يدي مولاه فلما أفقت قال لي‏:‏ يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقنك بالنار فلما أفقت قلت‏:‏ يا رب ما هكذا حدثت عنك فقال الله تعالى‏:‏ وما حدثت عني - وهو أعلم بذلك - قلت‏:‏ حدثني عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر بن راشد عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عنك يا عظيم أنك قلت‏:‏ ‏"‏ ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار ‏"‏ ‏.‏

فقال الله عز وجل‏:‏ صدق عبد الرزاق وصدق معمر وصدق الزهري وصدق أنس وصدق نبيي وصدق جبريل وأنا قلت ذلك انطلقوا به إلى الجنة ‏.‏